تضاعفت الحملة الحوثية الضاغطة على المجتمع المدني اليمني بالتشديد المستحدث لحركة النساء في المجتمع المحافظ بعد تزايد حالات الإيقاف والسؤال المستفز خلال تنقلاتهن الفردية المضنية بين المحافظات اليمنية مترامية الأطراف ومتقطعة الأوصال جراء الحرب، عن وجهتهن، وأبرزها السؤال الدائم، أين المحرم؟
وفي حال وجود المحرم يتم التحقيق معه وإثبات صلة قرابته، وهي إجراءات لم يعتدها المجتمع الذي يفرض احتراماً خاصاً للمرأة في الأماكن ووسائل النقل العام، استبقتها بتعميم وزعته على منافذ العبور ومكاتب النقل وبررته بأنه “لحماية الإنسان اليمني من الاستهداف الخاص والممنهج” الذي يطاله.
أرملة بحاجة محرم
إزاء ذلك، برزت حالة من الاحتجاج الشعبي على القرار بعد منع مسلحي الجماعة المدعومة من إيران أكاديمية من مغادرة صنعاء لتمثيل اليمن في مؤتمر علمي في الخارج بذريعة “عدم وجود محرم” عقب أيام من إصدارها تعميماً بهذا الأمر الذي توجته بنشر نقاط تفتيش، لا سيما في مداخل ومخارج صنعاء.
وكشفت الناشطة، لمياء الإرياني، رئيسة منظمة “مدرسة السلام”، بأن ميليشيا الحوثي أعادت أكاديمية متخصصة في الكيمياء الحيوية (لم تسمها) من إحدى نقاط التفتيش أثناء ما كانت في الطريق إلى عدن (جنوب اليمن) بذريعة “عدم وجود محرم”.
وأوضحت على حسابها في “فيسبوك” أن الأكاديمية تلقت دعوة للمشاركة في مؤتمر علمي خارج اليمن.
وأشارت الإرياني إلى أن الأكاديمية “أرملة وفي العقد الخامس من العمر، وابنها الوحيد مهاجر خارج البلاد منذ سنوات”.
قيود أخرى
وضجت مواقع التواصل بعبارات الاستهجان والرفض التي وصفت بأنها قيود جديدة تأتي في إطار التضييق الحوثي العام على المجتمع خدمة لمشاريعه القمعية.
ولهذا، دان وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الإرياني، القيود الإضافية التي فرضتها ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران على حركة النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأوضح في تصريح صحافي، أن ميليشيا الحوثي منعت سفر النساء عبر مطار صنعاء الدولي، واستحدثت نقاطاً أمنية لمنع تنقلهن بين المحافظات، وباتجاه المناطق المحررة إلا بمرافق.
عكس ما يسمع
الوزير اليمني زامن هذه الإجراءات مع تضاعف الدعوات والجهود التي يبذلها المجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة لتخفيف القيود والسماح بحركة وتنقل المواطنين بصورة طبيعية، داعياً المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة، لمغادرة مربع الصمت وإدانة هذه الممارسات التي تفاقم المعاناة الإنسانية للمواطنين في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية، وعلى وجه الخصوص النساء، وسرعة العمل على تصنيفها “منظمة إرهابية” وتجفيف منابعها.
للمساءلة القانونية
ووفقاً لإفادة مكتب سفر معتمد في صنعاء، أكد لـ”اندبندنت عربية” صحة الإجراء الحوثي.
وأوضح أن التعميم الذي تلقوه جاء قبل عامين ثم ألحق بتعميم جديد صادر عن هيئة النقل البري في التابعة لوزارة النقل، وهو التعميم الذي ذُيل بتهديد مفاده أن من لم يلتزم تلك التوجيهات يتعرض للمساءلة القانونية.
وفي حال عدم وجود محرم مرافق، أوضح أن التعميم يلزم شركات النقل البري رفع توكيل معتمد من المحرم مرفقاً بصور لهوية المسافرة إلى هيئة النقل الحوثية، قبل تحرك مركبة النقل من صنعاء، وتوزع نسخ أخرى من التوكيل والوثائق لنقطة عسكرية في منطقة يسلح على المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء، إضافة إلى النقاط العسكرية في مداخل المدن الخاضعة لسيطرة الميليشيا.
رد حوثي
بدورها دافعت الميليشيا عن إجراءاتها وبررت ذلك لمخالفة “الانحسار العالمي للقيم” ومواجهة ما “يتعرض له الإنسان اليمني من استهداف”.
وقال نائب وزير الخارجية في حكومة ميليشيا الحوثي غير المعترف بها، حسين العزي، إن “(المحرم) ليس تشريعاً خاصاً ابتكرناه هو نظام اجتماعي عام وجزء من ثقافة أي مجتمع مسلم، وهو وفق اعتبارات معينة يحضر بدرجات متفاوتة وحدود دنيا وعليا، لكنه لا يغيب كلياً ولا يخلو من حكمة أو فائدة بخاصة في ظل الانحسار العالمي للقيم، وكذا في ظل ما يتعرض له الإنسان اليمني من استهداف بشكل خاص وممنهج”.
حق شرعي وأصيل من حقوق وحريات المرأة التي ظلت طوال تاريخها تتنقل وتسافر بمنتجاتها ومحاصيلها الزراعية بين المدن محفوظة الحقوق والحرية.
في حين حذرت منظمات حقوقية من أن هذا الإجراء هدفه هيكلة المجتمع وفق رؤية تخدم مشروعهم السلالي، في حين دعت منظمات دولية الحوثيين إلى التوقف فوراً عن استهداف النساء وحضورهن في الحياة العامة.
يقول رئيس منظمة سياج للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، إن ظاهرة منع النساء من السفر دون محرم محاولة حوثية لأجل السيطرة على المجتمع من خلال مجموعة من الأعراف والتقاليد المنتشرة التي تسعى إلى تثبيتها واستغلالها للوعي في اليمن.
وأضاف “تحاول الحوثية إظهار نفسها بأنها الحارس للدين وقيم المجتمع من خلال إصدار التشريعات أو القرارات، أو من خلال تشويه صورة المنظمات والعاملات فيها”.
أهداف أخرى
عندما برر الحوثيون إجراءهم بأنه يأتي طبقاً للقوانين والشرع، أكد الحقوقي الحميدي أن القانون اليمني لا يشترط وجود محرم أثناء تنقل النساء وسفرهن.
وهو ما يدفع للتفتيش عن أبعاد القرار الذي قال إنه يحمل بعدين سياسي واجتماعي، ومنها تدخل الحوثية في خصوصية المرأة التي لم تكن حكراً على منع التنقل فقط، وإنما شملت أشياء كثيرة تتعلق بالعمل والاحتفالات والأعراس والدراسة والأسواق والصحة الإنجابية، بالتالي يسعون لفرض هيمنتهم على المرأة لإدراكهم أهميتها في المجتمع وإظهار أنهم حماة العقيدة.
هيكلة المجتمع
في البعد الاجتماعي للموضوع يسعى الحوثيون، وفقاً للحميدي، إلى “إعادة هيكلة المجتمع وفق رؤية تخدم مشروعهم السلالي ولم تعجبهم الإنجازات التي حققتها المرأة في الفترة السابقة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والحقوقية كافة، ومواقفها المناهضة لهم ولهذا يسعون اليوم من منطلق نظرة خاصة لديهم عن المرأة، لفرضها وتنميطها من ناحية اللباس والوظيفة والانتماء والفكر وتحويلها لأداة طيعة في أيديهم”.
أعاقت النساء
وفي إجراء دولي رفيع دعت منظمة العفو الدولية، الخميس الماضي الحوثيين لإنهاء شرط المحرم، الذي يحظر على النساء السفر دون دليل على موافقته الخطية عبر المحافظات الخاضعة لسيطرتهم أو إلى مناطق أخرى من البلاد.
وقالت المنظمة في بيان لها، إنه منذ أبريل (نيسان) الماضي أعاقت القيود الحوثية المشددة النساء اليمنيات من القيام بعملهن، بخاصة اللواتي تتطلب منهن طبيعة عملهن السفر.
وأضافت أن تلك القيود تنطبق أيضاً على العاملات اليمنيات في المجال الإنساني اللواتي يعانين من أجل القيام بعمل ميداني، مما يؤثر بشكل مباشر في وصول اليمنيين المحتاجين إلى المساعدات، بخاصة النساء والفتيات.
شرط تقييدي
ونقل البيان عن ديانا سمعان، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية بالنيابة قولها “يجب على سلطات الأمر الواقع الحوثية أن تضع حداً لشرط المحرم بصورة فورية”.
وأضافت أن “هذا الشرط التقييدي يعد من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي ويرسخ التمييز الذي تواجهه النساء في اليمن على أساس يومي”.
وتابعت “تحتاج النساء اليمنيات بشكل عاجل إلى أن يكن قادرات على التنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد من أجل العمل، وطلب الرعاية الصحية، وتقديم أو تلقي المساعدات الإنسانية”.
وطالبت سمعان المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين للتوقف عن فرض شرط المحرم على النساء، لافتة إلى أن “هناك الآن خطراً حقيقياً للغاية من أن تحرم النساء والفتيات من تلقي المساعدات إذا استمر منع العاملات في المجال الإنساني من السفر دون محرم”.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أجرت مقابلات مع خمس ناشطات وعضوات في منظمات محلية خضعن جميعاً لشرط المحرم عند محاولتهن السفر للعمل بين أبريل وأغسطس (آب).
تقويض مرفوض
رفض حواء اليمنية لم يتوقف بعد تصاعد نبرة الرفض ضد القرار الحوثي الذي اعتبرنه محاولة رجعية تعسفية تحد من حق أصيل للنساء.
تقول الإعلامية الناشطة، عبير بدر، إنها ليست المرة الأولى التي تقرر فيها سلطة الأمر الواقع في صنعاء تقويض حريات المواطنين عموماً والنساء خصوصاً، بعد منع المواطنات اليمنيات من استخراج وثائق سفر للخارج منعتهن اليوم من تنقلهن داخل بلادهن.
وتضيف خلال حديثها لـ”اندبندنت عربية” إن “الجماعة الرجعية تستمد قوتها في قراراتها التعسفية ضد النساء من جهل المجتمع بالقوانين العامة وأيضاً من عدم اعتراف شريحة كبيرة من المجتمع بقيم الحرية والمواساة لأن هناك موافقة ضمنية لدى المجتمع باعتبار المرأة مخلوقاً قاصراً و مواطناً من درجة ثانية وربما ثالثة بعد الأطفال الذكور”.
درس إيران
ولم تغفل بدر إسقاط الأمر على الإرهاصات الشعبية التي تشهدها إيران عقب تنامي حالة الرفض الشعبي ضد النظام هناك، ففي “الوقت الذي تشهد إيران انتفاضة شعبية ضد تقييد الحريات فيها وتقف السلطات عاجزة عن كبحها لأنها ببساطة مطالبات تكفلها مبادئ الحق والعدالة، تقوم أدواتها بتشديد الخناق على رعاياها بقوة السلاح بعيداً حتى من المنطق والعمل السياسي”.
وتختتم مستدركة “لكن من يعلم ربما هذا التمادي في تعطيل مصالح المواطنين وانتهاك حقوق الإنسان مجرد إجراءات يراد منها ممارسة بعض الضغوط على المجتمع في الداخل والخارج لاستخدامها في التفاوض لتحقيق مصالح معينة”.